فصل: تفسير الآية رقم (3):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: التيسير في التفسير أو التفسير الكبير المشهور بـ «تفسير القشيري»



.تفسير الآية رقم (3):

{نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآَنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)}
قوله جلّ ذكره: {نَحْنُ نَقُّصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ القَصَصِ بِمَآ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ هَذَا القُرْآنَ}.
{أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: لخلوِّه عن الأمر والنهي الذي سماعه يوجب اشتغال القلب بما هو يعرِّض لوقوع التقصير.
{أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: ففيه ذكر الأحباب.
{أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: لأن فيه عفوَ يوسف عن جناياتِ إخوته.
{أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: لما فيه من ذِكْرِ تَرْكِ يوسف لامرأة العزيز وإعراضه عنها عندما راودته عن نفسه.
{أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: بالإضافة إلى ما سألوه أن يقص عليهم من أحوال الناس.
{أَحْسَنَ الْقَصَصِ}: لأنه غير مخلوق.
ويقال لمَّا أخبره الله- سبحانه- أن هذه القصةَ أحسنُ القصص وجد رسولُ الله- صلى الله عليه وسلم- لنفسه مزايا وزوائد لتخصيصه؛ فَعَلِمَ أن الله تعالى لم يُرَقِّ أحداً إلى مثل ما رقاه.
قوله جلّ ذكره: {وَإن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الغَافِلِينَ}.
أي الذاهبين عن فهم هذه القصة. أي ما كنتَ إلا من جملة الغافلين عنها قبل أن أوحينا إليك بها، إي إنك لم تَصِلْ إلى معرفتها بكدَّك وجهدك، ولا بطلبك وجِدِّك.. بل هذه مواهبُ لا مكاسب؛ فبعطائِنا وَجَدْتَها لا بعنائك، وبِتَفَضُّلِنَا لا بتعلُّمِكَ، وبِتَلَطُّفِنا لا بتكلٌّفِك، وبنا لا بك.

.تفسير الآية رقم (4):

{إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)}
لما ذكر يوسف- عليه السلام- رؤياه لأبيه عَلِمَ يعقوبُ- عليه السلام- صِدْقَ تعبيرها، ولذلك كان دائم التذكُّر ليوسف مدةَ غيبته، وحين تطاولتْ كان يَذْكُرُه حتى قالوا: {تَاْللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] فقال: {إِنِى أَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [يوسف: 96] فهو كان على ثقةٍ من صِدْقِ رؤياه.
فإنْ قيل: فإذا كان الصبيُّ لا حُكْم لِفْعلِه فكيف يكون حكم لرؤياه؟ وما الفرق؟ فيقال: إن الفعل بتَعَمُّدٍ يحصل فيكون مُعْرَّضاً لتقصير فاعله، أمَّا الرؤيا فلا تكون بتعمد منه فتنسب إلى نقصان.
ويقال إنَّ حقَّ السِّرِّ ولو كان على مَنْ هو قريب منك؛ فإن يوسف لما أظهر سِرَّ رؤياه على أبيه اتصل به البلاءُ.

.تفسير الآية رقم (5):

{قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)}
إذا جاء القضاءُ لا ينفع الوعظ والحذر؛ فإن النصيحة والحذر لا يزيدان على ما نصح يعقوب ليوسف عليهما السلام، ولكن لمَّا سبق التقديرُ في أمر يوسف- عليه السلام- حصل ما حصل.
ويقال إن يوسف خَالَفَ وصية أبيه في إظهارِ رؤياه إذ لو لم يُظْهِرْها لما كادوا له، فلا جَرَم بسبب مخالفته لأبيه- وإن كان صبياً صغيراً- لم يَعْرَ مِنَ البلايا.
ويقال لما رأى يوسف في منامه ما كان تأويلُه سجودَ الأخوة له رأى ما تعبيره: وسجود أبيه وخالته حيث قال تعالى: {وَالْشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِى سَاجِدِينَ}؛ فدخل الإخوة الحَسَدَ أما الأب فلم يدخله إلا بنفسه لِفَرْطِ شفقة الأبوة.
ويقال صَدَقَ تعبيره في الإخوة فسجدوا له حيث قال: {وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدَاً} [يوسف: 100] ولم يسجد الأبُ ولا خالته حيث قال: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} [يوسف: 100] فإن يوسفَ صانَهما عن ذلك مراعاةً لحشمة الأبوة.

.تفسير الآية رقم (6):

{وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آَلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)}
قوله جلّ ذكره: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.
أي كما أمرك بهذه الرؤيا التي أَرَاكَها يجتبيك ويُحْسِنُ إليك بتحقيق هذه الرؤيا، وكما أكرمك بوعد النعمة أكرمك بتحقيقها.
ويقال الاجتباء ما ليس للمخلوق فيه أثر، فما يحصل للعبد من الخيرات- لا بتكلفه ولا بتعمده- فهو قضية الاجتباء.
ويقال من الاجتباء المذكور أَنْ عَصَمَه عن ارتكاب ما راودته امرأة العزيز عن نفسه.
ويقال من قضية الاجتباء إسباله الستر على فعل إخوته حيث قال: {وَقَدْ أْحْسَنَ بِى إِذْ أَخْرَجَنِى مِنَ الْسِّجْنِ} [يوسف: 100]، ولم يذكر خلاصَه من البئر ومن قضية الاجتباء توفيفه لسرعة العفو عن إخوته حيث قال: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف: 92].
قوله جلّ ذكره: {وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ}.
أي لتعرفَ قَدْرَ كلَّ احد، وتقفَ على مقدار كلِّ قائلٍ بما تسمع من حديثه.. لا مِنْ قوله بل لِحدَّةِ كياستك وفَرْطِ فراستك.
قوله جلّ ذكره: {وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أتَمَّهَا عَلَى أبَوَيْكَ مِن قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَإِسْحَق إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}.
مِنْ إتمامِ النعمة توفيقُ الشكر على النعمة، ومن إتمام النعمة صَوْنُها عن السَّلبِ والتغيير، ومن إتمام النعمة التَّحرز منها حتى تَسْهُلَ عليكَ السماحةُ بها.

.تفسير الآية رقم (7):

{لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آَيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7)}
يعني لكلِّ ذي مِحنة حتى يعلم كيف يصبر، ولكلَّ ذي نعمة حتى يعلم كيف يشكر.
ويقال في قصتهم كيفية العفو عن الزَلَّة، وكيفية الخَجْلَةِ لأهل الجفاءِ عند اللقاء.
ويقال في قصتهم دلالاتُ لطفِ الله سبحانه بأوليائه بالعصمة، وآياتٌ على أنَّ المحبة (....) من المحنة.
ويقال فيها آياتٌ على أَنَّ من صَدَقَ في رجائه يُخْتَصُّ- يوماً- ببلائه.

.تفسير الآية رقم (8):

{إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (8)}
عُرِّفُوا على ما سَتَرُوه من الحَسَدِ، ولم يحتالوا في إخراج ذلك من قلوبهم بالوقيعة في أبيهم حتى قالوا: {إنَّ أَبَانَا لَفِى ضَلاَلٍ مُّبِينٍ}.
ويقال لما اعترضوا بقلوبهم على أبيهم في تقديم يوسف في المحبة عاقبهم بأن أمهلهم حتى بسطوا في أبيهم لسانَ الوقيعة فوصفوه بلفظ الضلال، وإن كان المرادُ منه الذهابَ في حديث يوسف عليه السلام، ولمَّا حسدوا يوسف على تقديم أبيهم له لم يَرْضَ- سبحانه- حتى أَقَامَهم بين يدي يوسف عليه السلام، وخرُّوا له سُجَّداً ليْعلَموا أَنَّ الحسودَ لا يسود.
ويقال أطولُ الناسِ حُزْنا مَنْ لاَقى الناسَ عن مرارةٍ، وأراد تأخيرَ مَنْ قَدَّمه اللَّهُ أو تقديمَ مَنْ أَخَّرَه اللَّهُ؛ فإخوةُ يوسف- عليه السلام- أرادوا أن يجعلوه في أسفل الجُبِّ فرفعه الله فوقَ السرير!

.تفسير الآية رقم (9):

{اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ (9)}
قوله جلّ ذكره: {اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ}.
أي يخْلُصْ لكم إقبالُ أبيكم عليكم، وقديماً قيل: مَنْ طَلَبَ الكُلَّ فَاتَه الكلُّ؛ فلمَّا أرادوا أن يكون إقبالُ يعقوب- عليه السلام- بالكليَّةِ- عليهم قال تعالى: {فَتَوَلَّى عَنْهُمْ} [الأعراف: 93].
ويقال كان قَصْدُهم ألا يكونَ يوسف عليه السلام أمامَ عينه فقالوا: إمَّا القتلُ وإمَّا النَّفيُ، ولا بأسَ بما يكونُ بعد ألا يكونَ يوسف عليه السلام.
قوله جلّ ذكره: {وَتَكُونُوا مِن بَعْدِهِ قَوْماً صَالِحِينَ}.
عَجَّلوا بالحرام، وَعلَّقُوا التوبةَ بالتسويف والعزم، فلم يمحُ ما أَجَّلُوا من التوبة ما عجَّلوا من الحَوْبة.
ويقال لم تَطِبْ نفوسُهم بأن يذهبوا عن بابِ اللَّهِ بالكليَّة فدبَّروا لُحسْنِ الرجوع قبل ارتكاب ما دعته إليه نُفُوسُهم، وهذه صفة أهل العرفان بالله.

.تفسير الآية رقم (10):

{قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ لَا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ (10)}
إخوةُ يوسف- وإنْ قابلوه بالجقاء- مَنَعَتْهُم شفقةُ النَّسَبِ وحُرْمةُ القرابةِ من الإقدام على قتله؛ فقالوا لا تقتلوه وغَيِّبُوا شَخْصَه.
ويقال إنما حَمَلَهم على إلقائه مرادُهم أن يخلوَ لهم وجهُ أبيهم، فلمَّا أرادوا حصولَ مرادهم في تغييبه لم يبالغوا في تعذيبه.
ويقال لمَّا كان المعلومً له- سبحانه- في أمر يوسف تتليغَه إياه تلك القربة ألقى الله في قلبِ قائلهم حتى قال: {لاَ تَقْتُلُوا يُوسُفَ}.
ثم إنه- وإن أبلاه في الحال- سَهَّلَ عليه ذلك في جَنْبِ ما رقَّاه إليه في المآل، قال قائلهم:
كم مرةٍ حَفَّت بِكَ المكارِه ** خَارَ لَكَ اللَّهُ- وأنت كاره

.تفسير الآية رقم (11):

{قَالُوا يَا أَبَانَا مَا لَكَ لَا تَأْمَنَّا عَلَى يُوسُفَ وَإِنَّا لَهُ لَنَاصِحُونَ (11)}
كلامُ الحسودِ لا يُسْمَع، ووعدُه لا يُقْبل- وإنْ كانا في مَعْرِضِ النُّصحِ؛ فإِنَّهُ يُطْعِمُ الشَهْدَ ويَسْقِي الصَّابَ.
ويقال العَجَبُ من قبول يعقوب- عليه السلام- ما أبدى بنوه له من حفظ يوسف عليه السلام وقد تفرَّسَ فيهم قلبه فقال ليوسف: {فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدْاً} [يوسف: 5] ويكن إذا جاء القضاءُ فالبصيرةُ تصير مسدودةً.
ويقال من قِبَلَ على محبوبه حديثَ أعدائه لَقِيَ ما لَقِي يعقوبُ في يوسف- عليهما السلامُ- من بلائه.

.تفسير الآية رقم (12):

{أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَدًا يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (12)}
يقال أطمعوا يعقوبَ عليه السلام في تمكينهم من يوسف بما فيه راحةُ نَفْسٍ في اللعب، فطابَتْ نَفْسُ يعقوب لإذهابهم إياه من بين يديه- وإنْ كان يشَقُّ عليه فراقُه، ولكنَّ المحبَّ يؤثِرُ راحةَ محبوبه على محبةِ نَفْسِه.
ويقال ما رَكَنَ إلى قولهم: {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ}- أي مِنْ قِبَلهِمِ- حتى قالوا: {وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ} [يوسف: 17]؛ فَمَنْ أسَلم حبيبَه إلى أعدائه غُصَّ بتحسِّي بلائه.

.تفسير الآية رقم (13):

{قَالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخَافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غَافِلُونَ (13)}
يَحْزُنني أن تذهبوا به لأني لا أصْبِر عن رؤيته، ولا أطيق على فُرقتِه....هذا إذا كان الحالُ سلامته.....فكيف ومع هذا أخاف أن يأكله الذئب!
ويقال: لما خاف عليه من الذئب امتُحِنَ بحديث الذئب، ففي الخبر ما معناه: «إنما يُسََلِطُ على ابن آدم ما يخافه» وكان في حقه أن يقول أخافُ الله لا الذئب، وإنْ كانت مَحَالُّ الأنبياء- عليهم السلام- محروسةً من الاعتراض عليها.
ويقال لمَّا جرى على لسان يعقوب- عليه السلام- من حديث الذئب صار كالتلقين لهم، ولو لم يسمعوه ما اهْتَدَوْا إلى الذئب.

.تفسير الآية رقم (14):

{قَالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذًا لَخَاسِرُونَ (14)}
لَحقَ إخوة يوسف عليه السلام ما وصفوا به أنفسهم من الخسران حيث قالوا: {إِنَّآ إِذاً لَّخَاسِرُونَ}: لأنَّ مَنْ باع أخاً مثل يوسف بمثل ذلك الثمن حقيقٌ بأن يقال قد خسرت صفقتُه.
ويقال لمَّا عدُّوا القوة في أنفسهم حين قالوا: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} خُذِلُوا حتى فعلوا.
ويقال لمَّا رَكَنَ يعقوبُ- عليه السلام- إلى قولهم: {وَنَحْنُ عُصْبَةٌ} لَقِيَ ما لَقِيَ.

.تفسير الآية رقم (15):

{فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هَذَا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ (15)}
الجوابُ فيه مُقَدَّر؛ ومعناه فلما ذهبوا بيوسف وعزموا على أن يلقوه في البئر فعلوا ما عزموا عليه. أو فلمَّا ذهبوا به وألقوه في غيابة الجُبِّ أوحينا إليه؛ فتكون الواو صلة. والإشارة فيه أنه لمَّ حَلَّتْ به البلوى عجَّلنا له التعريفَ بما ذكرنا من البُشرَى؛ ليكون محمولاً بالتعريف فيما هو محتمِّلٌ له من البلاء العنيف.
ويقال حين انقطعت على يوسف عليه السلام مراعاةٌ أبيه حَصَلَ له الوحيُ مَنْ قِبَل مولاه، وكذا سُنَّتُه تعالى أنه لا يفتح على نفوس أوليائه باباً من البلاءِ إلا فَتَحَ على قلوبهم أبوابَ الصفاء، وفنون لطائف الولاء.

.تفسير الآيات (16- 18):

{وَجَاءُوا أَبَاهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ (16) قَالُوا يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِنْدَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ (17) وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (18)}
قوله جلّ ذكره: {وجآءوا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ}.
تمكينُ الكذَّاب من البكاء سِمَةُ خذلان الله تعالى إياه، وفي الخبر: «إذا كَمُلَ نفاقُ المرء مَلَكَ عَيْنَه حتى يبكي ما شاء».
ويقال: لا يَبْعُدُ أَنْ يقال إنهم وإنْ جَنَوْا على يوسف عليه السلام فقد ندموا على ما فعلوا، فَعَلاَهُمْ البكاءُ لنَدمهم- وإن لم يُظْهروا لأبيهم- وتَقَوَّلُوا على الذِّئبِ.
قوله جلّ ذكره: {وجآءوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ}.
لم يُؤثِّرْ تزويرُ قَالَبِهم في إيجاب تصديق يعقوب- عليه السلام- لكذبهم بل أخبره قلبُه أَنَّ الأمرَ بخلاف ما يقولونه فقال: {بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرَاً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}.
فَعلم على الجملة وإنْ لم يعلمْ على التفضيل وهكذا تقرع قلوبَ الصديقين عواقبُ الأمور على وجه الإجمال، إلى أنْ تَتَّضحَ لهم تفاصيلُها في المستأنف.
ويقال عوقبوا على ما فعلوه بأن أُغفلوا عن تمزيق قميصه حتى عَلم يعقوب تَقَوُّلَهم فيما وصفوا.